أي دور لمرسوم الصفقات العمومية في حماية أجراء المقاولة المتعاقدة مع الإدارة؟

 

 يونس لعناني

عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية المستقلة لهيئة تفتيش الشغل

لا يخفى على أحد أهمية الصفقات العمومية في إنعاش التشغيل عبر توفير فرص الشغل واستقطاب عدد من اليد العاملة والتخفيف من نسبة البطالة، الشيء الذي يجعل تطبيق قانون الشغل يفرض نفسه من أجل تنظيم العلاقة بين المقاولة نائلة أو صاحبة الصفقة وأجرائها، خاصة وأنه يوجد عدد كبير من اليد العاملة يرتبطون بعلاقة شغل بالمقاولة المتعاقدة مع الإدارة في إطار الصفقات العمومية.

ولما كان من غير المقبول أن تنتهك وتهضم حقوق الأجير وهو يشتغل بفضاء بعض الإدارات العمومية المفترض فيها الدفاع عن الحقوق وصونها من كل تعسف وهضم، فإن المغرب سبق وأن صادق في العشرين من شتنبر 1956 على الاتفاقية رقم 94 الصادرة عن منظمة العمل الدولية سنة 1949 والتي تفرض على الدول إدراج شروط في الصفقات العمومية تكون قابلة للتطبيق على المقاولات الرئيسية والمتعاقدة من الباطن بشأن ضمان الأجور ومدة العمل وعلاوات في أعلى مستوى معمول به وفق القانون أو اتفاقيات الشغل الجماعية، كما تفرض الاتفاقية وضع إعلاما في أماكن ظاهرة من المنشآت وأماكن العمل بغية إطلاع العمال على ظروف عملهم. 

وجدير بالذكر أنه قد سبق وأن صدر منشور للسيد رئيس الحكومة* حول احترام تطبيق التشريع الاجتماعي في إطار الصفقات العمومية الخاصة في بحراسة وصيانة ونظافة المقرات الإدارية والصفقات الممماثلة.

وقد حاول المرسوم رقم 2.22.431 الصادر بتاريخ 8 مارس 2023 المتعلق بالصفقات العمومية مسايرة هذا التوجه الحمائي، إذ رغم طبيعته التنظيمية، فإن المرسوم تضمن مقتضيات حمائية تروم تحسين ظروف الشغل وضمان سلامة العمال، وهو ما يمكن استشفافه في مواطن كثيرة، إذ حث المرسوم في المادة الأولى صاحب المشروع على استحضار البعد الاجتماعي عند اللجوء إلى الصفقات العمومية، كما جعل من دفاتر التحملات أداة مهمة تستخدمها الإدارة لحماية اليد العاملة من تعسف المقاولات، وقد أشار إليها المرسوم السالف الذكر في المادة 16 خلال معرض حديثه عن طرق إبرام الصفقات وشروط التنفيذ، كما أن المرسوم رقم 2.14.394 الصادر في 13 ماي 2016 المتعلق بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال قد ألزم المقاول المتعاقد مع الإدارة وكذلك المتعاقدون معه من الباطن بالتقيد بالالتزامات الواردة في النصوص القانونية والتنظيمية خاصة ما يتعلق بتشغيل العمال ودفع أجورهم والحماية الاجتماعية والنظافة والسلامة وتغطية حوادث الشغل.

وهكذا يمكن رصد أهم مظاهر حماية أجراء المقاولة المتعاقدة مع الإدارة عبر الشروط التي أوجب مرسوم الصفقات العمومية توفرها في المتنافسين (المادة 27)، ويبقى أبرزها شرط الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وشرط الانتظام في التصريح بالأجور وأن يكون المتنافس في وضعية قانونية تجاه مؤسسة صندوق الضمان الاجتماعي، ثم من خلال الإجراءات القسرية التي يترتب عنها إيقاع عقوبات تأديبية في حق المقاولة المتعاقدة مع الإدارة عند تكرار مخالفتها لشروط العمل كعقوبة  إقصاء المقاولة من المشاركة في الصفقات بشكل مؤقت أو نهائي، و كذلك عقوبة فسخ الصفقة (المادة 152).

أولا: حماية الاجراء عبر التشديد في الشروط المتطلبة في المتنافسين 

شرط الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: تولى الفصل 15من القانون الاساسي للضمان الاجتماعي توضيح هذا الشرط بالتفصيل حيث فرض  على جميع المشغلين الذين يستخدمون في المغرب أشخاصا ما يلي:

- الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ويجب على كل منخرط في الصندوق المذكور أن يبين رقم انخراطه في فاتوراته ورسائله ومذكرات توصياته وتعاريفه وإعلاناته وغيرها؛

- تسجيل مأجوريهم بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛

- يجب على كل مشغل منخرط في الصندوق أن يبين في بطاقة الشغل وفي لائحة أداء أجور وشهادة الشغل رقم التسجيل الذي يخصصه الصندوق بالشغال؛

شرط الانتظام في التصريح بالاجور: ألزم الفصل 27 من القانون الاساسي للضمان الاجتماعي المشغل بأن يوجه إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي طبق الشروط والآجال المحددة في النظام الداخلي تصريحا بأجور كل مأجور من المأجورين العاملين بالمؤسسة.

وتفرض في حدود 5.000درهم غرامة قدرها 50درهما على كل نقص في التصريح بالأجور أو على إغفال كل مأجور.

شرط الوضعية القانونية السليمة: وذلك عبر شهادة مسلمة منذ أقل من سنة من لدن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تثبت بأن المتنافس يوجد في وضعية قانونية سليمة إزاءه.

ومن المخالفات التي يمكن أن يقع فيها المتنافس إزاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نجد: عدم أداء واجبات الاشتراك المستحقة والزيادات عن التأخير والغرامات / عدم تسجيل الأجراء / عدم القيام بالتصريح بالأجور / نقص في التصريحات بالأجور / تقديم تصريحات غير صحيحة قصد تمكين أحد أجرائه من قبض تعويضات لا حق له فيها / الاحتفاظ بصفة غير قانونية بالمبلغ المقتطع من أجرة العامل...

لكن ما يلاحظ على هذه الشروط التي حددها مرسوم الصفقات العمومية أنها تهم فقط الحماية الاجتماعية التي تتولى تدبيرها مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولم يشر المرسوم صراحة إلى الحقوق الأخرى المرتبطة بالشغل كالحد الأدنى من الأجر وساعات العمل والراحة الأسبوعية والاستفادة من العطلة السنوية والأعياد الدينية والوطنية ...، فكان حري على المرسوم الجديد أن يشترط كذلك شهادة مسلمة - على غرار ما فعله مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي - من مرفق مفتشية الشغل تثبت أن المتنافس لم تسجل ضده أي شكاية من طرف أجرائه حول الاستفادة من هذه الحقوق السالفة الذكر. وهو توجه سبق وأن عمل به المشرع المغربي في المادة 519 من مدونة الشغل، لكنه يقتصر فقط على مسطرة استرداد الكفالة المالية التي سبق وأن أودعها من رست عليه الصفقة، وعليه نأمل في أن يتم تداركها كشرط قبلي لقبول المتنافسين من عدمهم.

ثانيا: حماية الأجراء من خلال الاجراءات القسرية

رتب المرسوم الجديد إجراءات قسرية عبر إيقاع عقوبات تأديبية (المادة 152) في حق المقاولة المتعاقدة مع الإدارة عند تكرار مخالفتها لشروط العمل، ويبقى أبرز هذه العقوبات إقصاء المقاولة من المشاركة في الصفقات بشكل مؤقت أو نهائي، وكذلك فسخ الصفقة.

الإقصاء المؤقت أو النهائي من المشاركة في الصفقات المعلن عنها من لدن المصالح الخاضعة لنفوذ السلطة الحكومية المعنية وكذلك من الصفقات المعلن عنها من المؤسسات العمومية الخاضعة لوصايتها. كما يمكن تمديد إجراء الإقصاء من الصفقات المعلن من لدن مجموع إدارات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بمقرر يتخذه رئيس الحكومة باقتراح من الوزير المعني. ويمكن للوزير المكلف بالداخلية اتخاذ نفس القرار الإقصاء المتنافس المعني من المشاركة في الصفقات المعلن عنها من قبل الجماعات الترابية.

وخول المرسوم للمتنافس أو المقاول بعض الضمانات أهمها تبليغه بالمؤاخذات المنسوبة اليها ودعوته للإدلاء ملاحظاته داخل أجل لا يقل عن 15 يوم، مع ضرورة استطلاع رأي اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية؛ ثم وجوب تعليل المقررات مع تبليغا إلى المتنافس ونشرها في بوابة الصفقات العمومية.

فسخ الصفقة بمقرر من السلطة المختصة، وقد يكون مقرر الفسخ متبوع بإبرام صفقة جديدة على نفقة ومخاطر صاحب الصفقة، كما تخصم مبالغ النفقات الإضافية الناجمة عن الصفقة الجديدة من المبالغ التي تكون مستحقة لصاحب الصفقة. ويبقى الناتج عن التخفيضات المحتملة من النفقات كسبا لصاحب المشروع.

ونأمل مستقبلا أن يكون هناك جسور للتواصل بين مرفق مفتشية الشغل واللجنة الوطنية للطلبيات العمومية وذلك قصد إبلاغها بكل الخروقات التي رصدها مفتشو الشغل بمناسبة قيامهم بمهامهم، ولما لا أن يصدر قرار مشترك بين الجهة الوصية على الطلبيات العمومية والسلطة الحكومية المكلفة بالشغل بشأن إرساء ضوابط وآليات التنسيق حول رصد المخالفات المرتبطة بالشغل التي تهم المقاولات المتعاقدة مع الإدارة في إطار الصفقات العمومية.

* منشور رقم 2019/02 الصادر بتاريخ 24 جمادى 1440 الموافق ل 31 يناير 2019.

إرسال تعليق

أحدث أقدم